إنّ الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد . أسأل الله بمنه وكرمه أن يلهمنا رشدنا ، وأن يوفقنا للفقه في دينه ، ويرزقنا الثبات عليه وأن يتولانا برحمته وأن يختم لنا برضوانه وأن يعيذنا من أسباب الفتنة في النفس والعرض والدين والمال ، والصلاة والسلام على رسولنا الكريم محمد بن عبد الله وعلى السابقين الأكرمين من الأنبياء والمرسلين ، وعلى من تبعهم باحسان إلى يوم الدين ثم أما بعد
قال صلى الله عليه وسلم: { ذاق طعم الإيمان : من رضي بالله رباً .. وبالإسلام ديناً .. وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً رسولاً } رواه مسلم .
من لوازم السعادة أن ترضى عن ربك . فترضى بأحكامه وترضى بقضائه وقدره . خيره وشره . حلوه ومره ..
أعظم الراضين
ها هو أعظم الراضين على الإطلاق محمد صلى الله عليه وسلم مع أنه عاش مرارة اليتم ولوعته
فقد كان راضياً .. افتقر حتى ما كان يجد التمرة فيربط على بطنه حجراً من شدة الجوع ..
قل المال في يده حتى اقترض من اليهودي راهناً درعه محمد صلى الله عليه وسلم عنده ..
نام على الحصير حتى ظهر أثر ذلك في جنبه .. كل هذا والرضا عن خالقه يملأ قلبه ..
وما حفظ لنا التاريخ كلمة سخط نطق بها, بل كان أعظم الراضين على الإطلاق صلى الله عليه وسلم
محرومٌ من الرضا
الرضا راحة البال .. سكينة الفؤاد .. سلام مع النفس
أن ترضى عن يومك .. وتُوقن بغدك
ترضى عن ربك فترضى عن نفسك وترضى عن الكون كله
أليس كل هذا غنيمة روحية نفسية لا يملكها إلا المؤمن فقط
أما غيره فهو في سخط .. سخط على نفسه .. سخط على كل ما حوله .. لماذا جاء إلى الدنيا؟! ..
وهاك رجلٌ حرم من الرضا ( أبو العلاء المعري ) يقول في فترات شكه :
هذا جناه أبى عليّ ******* وما جنيت على أحد
انظر إليه وهو يعتبر ميلاده بلية أصيب بها .. ويعتبر أباه وأمه جنيا عليه بذلك ..
فيقبح هذه اللذة التي ينالها الآباء والأمهات فيأتون بالأبناء إلى هذه الدنيا الملعونة عنده ..
ولذا هجر الزواج حتى لا يجني على أحد كما جنيّ عليه .
وهذا في جنة الرضا
يقول الإمام الشافعي
أنا إن عشت لست أُعدم قوتاً **** وإذا مت لست أُعدم قبراً
همتي همة الملوك ونفسي ***** نفس حرِّ ترى المذلة كفراً
وإذا ما قنعت بالقوت عمري **** فلماذا أهاب زيداً وعمراً
وهنا الإمام الشافعي يصور لنا جنته .. جنة الرضا التي يعيش فيها .
فهو إن عاش لن يعدم قوتاً .
فعلام الحزن إذاً .. فالقوت مضمون { لا أحد يموت جوعاً } .
وإن مت لست أعدم قبراً فأي حفرة يدفنوني فيها .
إنه موقن بأن العيش مضمون والرزق مقسوم .. والقناعة كنز لا يفنى .
فلماذا الخوف إذن .. ولماذا الحزن إذن ؟
ندوةٌ في الرضا
اجتمع وهيب بن الورد .. وسفيان الثوري .. ويوسف بن أسباط
فقال الثوري : كنت أكره موت الفجأة قبل اليوم , وأما اليوم فوددت أني ميت
فقال له يوسف : ولِم ؟
فقال : لما أتخوف من الفتنة
فقال يوسف : لكني لا أكره طول البقاء
فقال الثوري : ولم تكره الموت ؟
قال : لعلي أصادف يوماً أتوب فيه وأعمل صالحاً
فقيل لوهب : أي شيء تقول : أنت ؟
فقال : أنا أختار شيئاً غير ما تقولون
فأحب ذلك إلذي أحبه الله
فقبل الثوري بين عينيه وقال له : روحانية ورب الكعبة .
أفلا أرضى بما رضي الله به ؟
قال الأصمعي
رأيت بدوية من أحسن الناس وجهاً لها زوجها قبيح الوجه ..
فقلت لها : أترضين أن تكوني زوجة هذا ؟
فقالت : لعله أحسن فيما بينه وبين ربه فجعلني ثوابه
وأسأت فيما بيني وبين ربي فجعله عقابي
أفلا أرضى بما رضي الله به ؟
رجلٌ من بني عبس
خرج يبحث عن إبله التي ضلت فظل ثلاث ليال وكان غنياً أعطاه الله ما شاء من مال وإبل وبقر وغنم وبنين وبنات
نام الجميع في يوم من الأيام فأرسل الله سيلاً جارفاً لا يبقي شيئاً , يحمل الصخور كما يحمل التراب فأجتاحهم جميعاً , فقلع البيوت من أصولها , وأخذ معه الأموال , وصار كل شيء هباءً منثوراً .
وعاد الرجل بعد ثلاث فلم يسمع صوتاً ولم ير حياً .
يا الله.. لا زوجة , لا ابن , لا شاة , وزيادة في البلاء إذا جمل من الجمال العائد بها من شرودها حاول أن يمسكه فرفسه في وجهه فأعمى عينيه , وأخذ الرجل يصيح في الصحراء علّه يجد معيناً , وبعد قليل سمعه أعرابي فأتى إليه وقاده , وفي طريقه أخبره بما حدث له , فأخذه إلى حاكم البلاد , وما أن علم خبره حتى سأله : وكيف أنت الآن ؟
قال الرجل : رضيت عن الله ؟
أخي أختي بالله
أين السخط ؟ أين التضجر ؟ أين أنا بالذات ؟ أين كذا ؟أين كذا ؟
لا وجود لكل هذا فهو في جنة الرضا عن ربه .
لكن هناك فرق
فرق بين الرضا عن الله وبين الرضا بالدون والعيش الذليل .
إنّ الرضا الذي نقصده ونتمناه : هو الرضا بما قسمه الله مع محاولات تغييره إلى الأفضل بما نملك من قوة . وأما الثانية فلا وألف لا ..
أسأل الله أن يثقل بهذا العمل ميزاني، وأن يغفر لي ولوالدي ولمن له حق علي من قرابة أو محبة في الله، وأسأله أن يغفر لجميع المسلمين ألأحياء منهم وألأموات ، إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
Keine Kommentare:
Kommentar veröffentlichen